اشترك في نشرتنا البريدية ليصلك كل جديد

عيضه المنهالي · 18-06-2007, 04:32 PM

الكلاب السلوقية.. دجنها العرب للصيد والطراد وقامر بها الاوربيون في مضامير السباقات

شعر الاسد فجأة بخطر محدق، عندما اكتشف مخبأه خمسة من الصيادين العرب فاطلق قوائمه للريح. ولكن الصيادين ما لبثوا ان اطلقوا اعنه خيلهم لملاحقته، حتى اذا اقتربوا منه مسافة (200) متر، اطلقوا صافرة عالية فوثب لحظتها كلب سلوقي من على صهوة كل جواد، وثبة هائلة الى الارض ولاحقوا الاسد الهارب بسرعة تربو على ستين كيلومتراً في الساعة. وبعد بضع لحظات تمكن (الاكحل) من ادراك الاسد فغرس انيابه في احدى قوائمه الخلفية، ونهش (خايف) احدى قوائمه الامامية، بينما اطبق (الامير) على إليته وتولى (خليفة) و(ظافر) البقية الباقية منه.
هذا مشهد من مشاهد الصيد عند العرب، يتكرر دائماً ومنذ قرون طويلة في روابي افريقيا وبواديها، وقاعدة يعرفها الصيادون لم تخطأ عندهم ابداً، وهو ان خمسة من الكلاب السلوقية قادرة على قتل اسد او لبوة اما النمر فتكفي لقتله ثلاثة فقط.
لا عجب اذن ان تحظى الكلاب السلوقية بقيمة رفيعة لا تدانيها اي فصيلة اخرى من الكلاب. فالعرب فطروا على حب الصيد والقنص وطراد الخيل، حتى اصبحت قيمة الواحد منها في وقت مبكر، لا تقل عن قيمة حصان اصيل.
ثم انتقلت هواية القنص بالكلاب السلوقية الى الاوربيين، فالفوا لذلك النوادي والجمعيات الخاصة التي تعنى بهذا اللون من الرياضة وعندما حرمت مزاولتها في بداية القرن العشرين بسبب ما يرافقها عادة من قسوة ووحشية، ابتكر الاوربيون صيغة بديلة لها، إلا وهي سباق الكلاب.
فملعب (وايت ستي) بلندن يزدحم في كل مباراة بأكثر من ستين الف متفرج يتوافدون عليه لمشاهدة سباق الكلاب، وشباك المراهنات مفتوح على مصراعيه – اثنا عشر مليون مراهنة تعقد سنوياً في انكلترا على مدرجات الملاعب المخصصة لسباق الكلاب، وتنفق في هذا الميدان اموال طائلة، اكثر مما تنفق في اي ميدان آخر، بما في ذلك سباق الخيل وكرة القدم، فاذا فتحت اقفاص الانطلاق الحديدية، وثبت الكلاب دفعة واحدة كالسهم المنطلق وبقفزة طولها اكثر من سبعة امتار لتعدوا خلف ارنب خشبي يحرك ذنبه بصورة ميكانيكية، فيسود الجمهور عندئذ حماس هستيري منقطع النظير.
سئل مرة رئيس الاتحاد الالماني لسباقات الكلاب عما اذا كانت سباقات الكلاب الالمانية بمثابة (نكتة) مقارنة بمثيلاتها الانكليزية، فاجاب بنبرة غاضبة: (ابدأ بالعكس!) ثم اخذ يكيل النقد للبريطانيين: (الكلب عندهم وسيلة للكسب فقط، اما عندنا فهو رفيق الانسان وصاحبه بالدرجة الاولى. فالايرلنديون مثلا يوكلون مهمة تدريب عشرين الف كلب من فصيلة (جرايهوند) سنويا الى مدربين محترفين، يقابلها مائتا كلب في المانيا اما عدد التي تقتل بسبب العجز فهذا ما تعرفه سوى المجازر والكلب عندنا غالبا ما يقضي حياته في منزل صاحبه او صاحبته ويعنى بتربيته واطعامه كأي فرد من افراد الاسرة).
تحتاج الكلاب السلوقية الى حرارة العش، بكل ما تعنيه هذه الكلمة: ففي الليلة التي تسبق المباراة يحمل معظم المربين كلابهم الى منازلهم، مثلما كان يفعل في الماضي فردريك الكبير بكلبه السلوقي، فيحقق هذا الحيوان سرعة اكبر في قطعه المسافة (480 متراً) تتجاوز في المتوسط نصف ثانية عن الفترة الزمنية المعتادة، وإلا فان بوسع المربي ان يتحقق من خيبة كلبه في اليوم الذي تسبقه ليلة مؤلمة ومزعجة.
وتتسم الكلاب السلوقية بطبيعة خاصة تختلف تماما عن بقية الكلاب الاخرى، فهذا الحيوان الذي يقتل الاسد والنمر والدب، وديع اليف لافراد العائلة الانسانية، شديد التعلق بصاحبه او صاحبته، ولكنه كما تقول الباحثة الدكتورة (اولا شولتزروت) لا يحتمل القهر. يطيع الاوامر اذا ماصدرت بصيغة الرجاء فقط. وليس للمرء ان يفكرفي معاقبته، فاذا كان منطلقا في سباق حر، فان دعوته للرجوع او الصفير له بالعودة لا تجدي نفعاً، انه يعود من تلقاء نفسه، متى هدأت ثائرته.
ان صاحب الكلب نفسه، مدعو اذا ما اراد ان يجعل من كلبه سباقا في المباريات، الى تمتين علاقته به واظهار المودة له، وان يكون صبوراً معه دؤوبا على تدريبه وتعليمه، فهذا الحيوان يحتاج الى فترة تدريبية اطول مما يحتاجها اي نوع من الحيوانات الرياضية الاخرى. ان سباقات الكلاب السلوقية في المانيا لم يعترف بها رسميا كنوع من انواع الرياضة.
ولذا فان جميع اعضاء الاتحاد الالماني لتربية وسباقات الكلاب السلوقية يضطرون الى تمويل منشآتهم من اموالهم الخاصة، فالسلطات وكذلك الاتحادات الرياضية تعتبر سباقات الكلاب ميدانا خالصا للقمار.
ان الكلاب السلوقية شيء آخر تماما لم تزودها الطبيعة بحاسة شم قوية تقتفي بها آثار صيدها، فهي تفتقر الى جهاز شم متميز ولكنها تتمتع بحدة البصر، انها صيادة البيئة الصحراوية وشبه الصحراوية، حيث يزول الاثر سريعا ولا يتحدد موقع (الغنيمة) إلا بالعين لذلك من مطاردات الصيد السريعة.
وسر سرعتها يكمن في قابلية ظهرها على التقوس العنيف، فيتيح لها ان تمد قوائمها الخلفية الى الامام بعيداً حتى تسبق قوائمها الامامية، اضافة الى طول قوائمها الخلفية المتينة التي تمثل بالنسبة لها آلة دفع تشبه ذراع المنجنيق.
الركض اذن من طبيعة الكلاب السلوقية تحتاجه كحاجتها الى الهواء والشمس وتتملكها حمى ركض لا حدود لها عند مشاهد الجري او السباق، وهي لذلك تختلف كل الاختلاف عن الخيول التي تلوذ بالهرب من اي عدو وهمي بعد ان يعتريها الخوف، بينما تميل الكلاب الى مطاردة فريستها.
على اية حال ينبغي للكلاب السلوقية ان تتحول من فن الصيد الحقيقي الى تعلم قواعد السباق، وقد تفرغ في هامبورغ (جونتر شولتزه) الى تدريب عدة دفعات منها، وهو يبدأ في تدريب الكلب عندما يبلغ عدة اسابيع من عمره ويستخدم لذلك دمية صغيرة تقفز امام الكلب كالقطة وتجري امامه بسرعة، فاذا بلغ الكلب الشهر السادس من عمره حمله الى ميدان السباق، ولكن كمشاهد فقط ليألف جو المباريات، ثم يدربه على الجري في مضمار السباق، وتستمر فترة التدريب هذه قرابة ثلاثة أشهر، حقا ان مهمة تدريب الكلب ليست سهلة، اذ من الصعب على هذا الحيوان ان يعتاد على قفص الانطلاق وغطاء الظهر واللجام.
ان وضع اللجام على فكي الكلب ضروري، فهو الوسيلة الوحيدة التي تحول اولا دون نشوب معركة بين الكلاب المتسابقة او توقفها عن مواصلة السباق، ثم انه يحول دون انقضاض الكلب على الدمية المسحوبة امامه وتمزيقها.
في سباقات الكلاب الاوربية، يكاد يقتصر الفوز على الكلاب الانكليزية فهي وحدها التي تحقق ارقاما قياسية مذهلة في ميادين السباق، ويعلل هذه الظاهرة مربي الكلاب الالماني (جونتر شولتزه) بقوله: (في ميدان تربية الكلاب يهتم الالمان بناحيتين اساسيتين، الجمال والكفاءة، في انكلترا لا اعتبار إلا للكفاءة فقط، لذلك فان الكلاب الانكليزية تحقق في اللحظات الفاصلة سرعة قياسية اكثر من الكلاب الالمانية).

منقول