الرجل الذئب
مثل معظم أفراد الشعب تظل عائلتي مستيقظة هذه الأيام حتى طلوع الفجر.. ورغم أنني غالبا ما أستغل هذا الوقت للكتابة إلا أنني بحثت قبل ليلة من كتابة هذا المقال في مجموعة أقراص DVD تتضمن آخر أفلام هوليود.. وفي النهاية وقع اختياري على فيلم جديد ظهر في فبراير 2010 يدعى الرجل الذئب. ورغم أنه فيلم "جديد" ولم يظهر حتى الآن في القنوات الفضائية إلا أنني توقعت قصته وسير الأحداث فيه قبل رؤيته فعلا. ففكرة "الرجل الذئب" تكررت كثيرا في السينما العالمية, وأول فيلم من هذا النوع ظهر قبل مائة عام (أي قبل ولادة جدك وجدتك عام 1913).. ومنذ ذلك الحين مافتئت هوليود تنتج فيلماً من هذا النوع بمتوسط مرة كل أربعة أعوام، شاهدت منها ثلاثة أفلام حتى الآن!!
... غير أن علاقتي بالرجل الذئب لم تتبلور من خلال هوليود بل من خلال قصة غريبة سمعتها قديما واستشهدت بها كثيرا حين سألني معلم فاضل: هل صحيح أن هناك حالات يتحول فيها البشر إلى ذئاب؟
– قلت : قرأت عن هذه الحالات ولكنني أعتقد أنها مجرد أساطير وفلكلور شعبي ..
– حك ذقنه وقال : كيف مجرد أساطير؟
– قلت : الفكرة موجودة في الموروث الشعبي لكل الأمم، وتدعي تحول الانسان الى ذئب حين يكتمل القمر بدرا (وتطلق عليها العرب الاستذئاب والانجليز Werewolf ).. وفي هذه الحالة يتقلص الوجه وتبرز الأسنان وتطول المخالب ويعوي الشخص كالذئاب. وتدعي بعض الاساطير ان المصاب يستجيب لنداء الذئاب إذا اقتربت فيخرج اليها ويسرح معها ويعود في الصباح . وحين يكون في هذا الوضع تصبح حواسه قوية مثلها (وبالذات حاستي الشم والسمع) ولكن كما قلت لك هذه كلها مجرد أساطير!
– ابتسم بخبث ومال نحوي وقال: وإن أخبرتك أنني أعرف شخصاً يتحول في الليل الى ذئب!
– ملت أنا نحوه وقلت: ماذا، هل أنت متأكد؟ قال: متأكد كما أراك أمامي. قلت : هل تقسم بالله إن الامر حقيقة. قال : أقسم بالله على أنه حقيقة وأن الرجل "يصير عديلي" ...
– قلت : وكيف تحدث الحالة!!
– قال : يستيقظ في الليل وقد توحشت ملامحه وبرزت أسنانه ويعوي كالذئاب. وقد هجرته زوجته الاولى بسبب هذه الحالة، ثم تزوج اخت زوجتي التي صبرت عليه وكتمت سره عنا خصوصا أنه لم يكن يؤذيها. وحين كان يستيقظ في الصباح كانت تخبره بما فعل في الليل فيهز رأسه وتدمع عيناه ويطلب منها الستر.. ولكنها هذه الايام هربت عند اختها وحين سألتها عن السبب قالت: لأن الحالة ظهرت ليلة امس عند ابنه البكر، وهي تخشى أن تنجب منه مزيداً من الاطفال!!
.. ومرة اخرى قلت له أتقسم بالله بأن القصة صحيحة! قال: يارجال "الحرمة"عندنا في البيت. قلت: في هذه الحالة سأبحث في الموضوع وأرد عليك...
ولأنني لا أصدق بإمكانية تحول أي مخلوق إلى نوع مختلف توصلت لقناعة بأن تفسير هذه الحالة وجميع الحالات الموجودة في سجلات الأطباء وتراث الشعوب يكمن في أحد هذه الاحتمالات:
إما الإصابة بحالة نفسية نادرة (تدعى lycanthropy) يعتقد فيها المرء بتحوله إلى حيوان متوحش!
أو الإصابة بداء السعار (Rabies) حيث تظهر على الانسان أعراض مشابهة حين يعضه ذئب أو كلب مسعور.
كما قد تعود الظاهرة إلى نوع من المس أو الصرع يضخمه الليل ومبالغة الناس وتداول الاسطورة!
وهناك أيضا احتمال الاصابة بأمراض نادرة قد توحي أعراضها بتحول الانسان الى ذئب (مثل مرض البورفيريا الذي قد يفسر أيضا حالات مصاصي الدماء)!
وأخيراً، لا تنسى أننا كثيرا ما نبحث عن الحلول المنطقية لمجرد عجزنا عن تصديق المستحيل!!